تحليل البيانات – الفن الخفي في تحويل الأرقام إلى قرارات ذكية

في السنوات الأخيرة، برز مجال علم البيانات كواحد من أهم المجالات في سوق العمل، وما يفسر ذلك هو حرص المؤسسات والشركات بمختلف أنواعها على الاستفادة من البيانات المخزنة لديها، وإدراكها أن هذه البيانات هي كنز ومورد هام من مواردها، فتجدها تحرص على توظيف ذوي المهارات العالية في مجال علم البيانات لاستخراج نتائج ورؤى توضح لهذه الشركات مسار عملها، وتساعدها في اتخاذ أنسب القرارات بأعلى درجة من الثقة والدقة، وفي هذه المقالة سنتحدث عن تحليل البيانات الذي هو جزء أساسي من علم البيانات

مفهوم تحليل البيانات

تحليل البيانات هو عملية جمع، وتنظيم، وتنظيف، ومعالجة البيانات لاستخلاص معلومات مفيدة تساعد في اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة.
يهدف تحليل البيانات إلى فهم الأنماط والعلاقات داخل البيانات، وتلخيصها بطريقة توضح ما تعنيه هذه البيانات.

أهمية تحليل البيانات

تكمن أهمية تحليل البيانات في كونه أداة تساعد أصحاب القرار في اتخاذ القرارات بناءً على معلومات حقيقية وليس لمجرد الحدس أو التخمين، فمن خلال تحليل البيانات يمكن لأصحاب القرار فهم الوضع الحالي والتوجه المستقبلي لمؤسساتهم، وتقييم الأداء لفترات زمنية سابقة وفهم العلاقات والارتباطات بين الأحداث، وبناء نماذج تنبؤية تعتمد على المتغيرات لتساعدهم على التنبؤ المستقبلي للمسار الذي تتجه إليه المؤسسة، واتخاذ قراراتهم في الوقت المناسب

أنواع تحليل البيانات

التحليل الوصفي (Descriptive Analysis):

يجيب هذا النوع عن سؤال: “ماذا حدث؟”

فمن خلال تحليل تاريخي للبيانات، ولفترات زمنية سابقة ، يمكن لمحلل البيانات استخراج كمية كبيرة من المعلومات المفيدة للشركة، عن طريق دراسة المتغيرات والأحداث والعلاقات والارتباطات التي أثرت في توجه الشركة في الماضي، مما يتيح للشركة فهم جلي وواضح لمسارها

التحليل التشخيصي (Diagnostic Analysis):

يجيب هذا النوع عن سؤال: “لماذا حدث؟”ودور هذا النوع من التحليل هو تشخيص الأسباب التي أدت لحدوث أمر ما، فمثلاً قد يلاحظ محلل البيانات انخفاضاً أو زيادةً في مبيعات الشركة في أحد الأشهر وذلك بصورة متكررة في كل عام، فيسعى لتحديد المسببات المقية لحدوث هذا النمط من خلال الأدوات التحليلية والقوانين الإحصائية المناسبة

التحليل التنبؤي (Predictive Analysis):

يجيب عن سؤال: “ماذا سيحدث؟”وعندما نتحدث عن هذا النوع، فإننا نتحدث عن بناء نماذج وخوارزميات بهدف التنبؤ المستقبلي للأحداث، ويترتب على نتائجها تعيين معظم الأهداف الاستراتيجية والخطط المستقبلية للشركة، ورسم الاتجاه الذي ينبغي أن تسير عليه لتحقيق أقصى فائدة مرجوّة

التحليل الوصفي أو التوجيهي (Prescriptive Analysis):

مراحل تحليل البيانات

المرحلة الأولى في عملية تحليل البيانات، هي تحديد الهدف الرئيسي من هذا التحليل، وتدوين الأسئلة التي يجب الإجابة عليها كثمرة لهذا التحليل.

المرحلة الثانية هي جمع البيانات من مصادرها المختلفة ووضعها في جداول حسب الأداة المستخدمة لهذا الغرض، ويعد Excel أبرز هذه الأدوات وأشهرها

المرحلة الثالثة هي تنظيف هذه البيانات وتنظيمها بصورة يسهل معها إجراء التحليل، وتعد هذه المرحلة  أهم المراحل وأطولها عادةً، ويجب التركيز وبذل الجهد الكافي خلال هذه المرحلة، وذلك لأن نتيجة التحليل  المرجوّة لا ينبغي أن تبنى على بيانات خاطئة، فأي شذوذ خاطئ في البيانات قد ينسف عملية التحليل بأكملها

المرحلة الرابعة هي تحليل هذه البيانات وملاحظة التغيرات الحاصلة بها وتفسير الأسباب التي أدت لهذه التغيرات، وهنا يستخدم محلل البيانات الأدوات المتقدمة والأساليب الإحصائية المناسبة للوصول إلى النتائج المرجوّة، وكلما زادت الأدوات والتقنيات المستخدمة، زادت دقة هذا التحليل واستطاع محلل البيانات استخراج رؤى ذات فائدة أكبر للمؤسسة التي يعمل لأجلها، وينبغي على محلل البيانات أن لا يتوقف عن تعلم كل ما هو جديد من تقنيات وأدوات تفيده في عمله كمحلل بيانات، فأبرز ما يميز محلل البيانات الناجح هو قدرته على اختيار الأدوات الأنسب مع طبيعة التحليل الذي يقوم به

المرحلة الخامسة هي المرحلة التي يقوم فيها محلل البيانات بعرض وتلخيص نتائج التحليل بصورة مبسطة وتفاعلية أمام الجهة التي يهمها نتائج هذا التحليل، فقد يُطلب منه تقريراً كتابياً مزوداً بالرسوم البيانية يلخص ما وصل إليه، وقد يطلب منه لوحات Dashboards لتبسيط وفهم الاتجاهات بصورة جذابة وتفاعلية، تسهل على  متخذ القرار بياناته وتمكنه من التحقق من نتائج كل متغير من المتغيرات التي تحويها هذه البيانات

أدوات تحليل البيانات

يسعى محلل البيانات الناجح دوماً إلى زيادة رصيده من المعرفة بالأدوات التقنية التي تساعده وتسهل عليه عملية التحليل واستخراج الرؤى، وسنذكر بعض من أهم وأشهر الأدوات التي يحتاج إليها محلل البيانات

Excel
يعد Excel أحد أبرز وأشهر الأدوات التي يستخدمها محلل البيانات، وفيه يتم جدولة وتنظيم البيانات ومعالجتها لتصبح جاهزة للتحليل، كما يحتوي على عدد كبير من الدوال والمعادلات الحسابية التي يمكن لمحلل البيانات استخدامها عند تحليل هذه البيانات، بالإضافة إلى امكانية تصوير نتائج التحليل من خلال الرسوم البيانية والواجهات التفاعلية، فهو برنامج عملاق لا غنى عنه

SQL
وهي لغة برمجية شهيرة لإستعلام البيانات وتنظيمها في قواعد بيانات وتستخدم في الغالب عند الحاجة لإستعلام بيانات في جداول مختلفة تربطها علاقات، وتحتوي هذه اللغة على عدد كبير من الأوامر المستخدمة في استعلام ومعالجة البيانات، وتتميز بسهولة تعلمها وقوتها الكبيرة في استعلام البيانات بالإضافة  إلى توافقها مع معظم قواعد البيانات مما يجعلها الخيار الأول للشركات

Python
وهي لغة برمجية عالية المستوى وسهلة القراءة والتعلم وتتميز بانتشارها الكبير واستخداماتها المتعددة كبناء تطبيقات الويب وتحليل البيانات، ففي تحليل البيانات،تحتوي Python على مكتبات عديدة توفر لمحلل البيانات كمية هائلة من المعلومات والرؤى، فمن هذه المكتبات ما يفيد في معالجة البيانات وتحليلها ومنها ما يفيد في تصويرها، ولهذه اللغة ارتباط وثيق بالأداتين السابقتين(Excel,SQL) فيمكنك من خلال هذه اللغة معالجة البيانات التي يحويها Excel وتحليلها وتصويرها

POWER BI
وهو أداة لتصوير وعرض النتائج النهائية للتحليل (Data Visualization)، وتحتوي هذه الأداة على إمكانات مذهلة تمكن من بناء لوحات  ورسوم بيانية تفاعلية وجذابة، فعلى الرغم من إمكانية تصوير البيانات في Excel وبناء لوحات تفاعلية أيضً، لكنها لا تقارن بالأدوات والإمكانات التي تحتوي عليها أداة Power BI، وهي أداة منفصلة عن Excel طورتها شركة Microsoft وكانت إضافة هائلة لعالم تحليل البيانات

Tableu
وهو أداة تشبه أداة Power BI وتستخدم في تصوير البيانات Data Visualization

هناك أيضاً عدد من الأدوات لا سبيل لحصرها هنا وهي أدوات ينبغي على محلل البيانات استكشافها، والإستزادة في المعرفة من خلال تعلمها، فكل أداة تمثل عوناً وتسهيلاً في عملية التحليل والوصول إلى النتائج والرؤى ذات التأثير الحقيقي الذي هو الجوهر والهدف الرئيسي من تحليل البيانات.

وفي الختام يعد تحليل البيانات اليوم حجر الأساس في اتخاذ القرارات المدروسة والمبنية على رؤى واستنتاجات حقيقية، وينبغي التشجيع على تعلم هذا المجال، فهناك حاجة ماسة في سوق العمل للعاملين في هذا المجال وذلك، نظراً للكم الهائل من البيانات المحيطة بنا، والتي هي بحاجة لتحليلها واستخراج الرؤى منها، فلا تتردد في تعلم هذا المجال وثق أنه مجال شيّق وممتع، ورحلة استكشاف وتنقيب مثيرة، وتستحق بجدارة أن تستثمر جلّ وقتك لها.