
التعلم الذاتي: رحلة استكشاف شيقة ومفتاح نحو التطور والنجاح
يقال أن كل نجاح عظيم ما هو الا تراكم للكثير من المجهودات العادية التي لا يراها أحد، وأن الاستثمار في تنمية النفس هو الاستثمار الوحيد الذي لا يفقد قيمته، فمن أبرز ما يتميز به الناجحون عن غيرهم هو سعيهم المستمر لتطوير أنفسهم ، لإدراكهم أن النجاح الحقيقي هو مسيرة تحسين مستمرة، فتجدهم يستثمرون أوقاتهم ليكونوا النسخة الأفضل من أنفسهم كلما تقدموا في هذه المسيرة، يدفعهم إلى ذلك شعورهم بالمسؤولية تجاه أنفسهم وتجاه من حولهم، فهم في تحسين مستمر لا يتوقف مهما كانت الظروف المحيطة بهم، ساعين دوماً لإكتساب العادات التي تحسن من جودة حياتهم وتعينهم على تحقيق أهدافهم، ومن أهم هذه العادات عادة التعلم الذاتي المستمر، فلا تكاد تسأل أحد الناجحين عن سر نجاحه إلا وكان للتعلم الذاتي دوراً بارزاً في هذا النجاح، فهم يدركون أن هذا النوع من التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكّنهم من إحداث التغيير الإيجابي في حياتهم.
مفهوم العلم الذاتي
يعرف التعلم الذاتي بأنه عملية اكتساب المتعلم للمعرفة والمهارات بشكل مستقل، دون الحاجة إلى معلم أو مؤسسة تعليمية تقليدية. ويعتمد على دافعية الفرد ورغبته في التعلم وتطوير الذات
أهمية التعلم الذاتي، ولماذا يعد مفتاح النجاح في العصر الحديث؟
لقد زادت أهمية التعلم الذاتي بشكل كبير في السنوات الأخيرة وذلك بزيادة الطلب على أصحاب المهارات المتخصصة والتي لا يتضمنها التعليم الأكاديمي في كثير من الأحيان، فنجد أن شروط الشركات عند عرض وظائفها تتضمن العديد من المهارات التي على المتقدم أن يكون قد تعلمها خارج مساره التعليمي، ومعظم هذه المهارات هي من مكتسبات التعليم الذاتي، فما من سبيل الا بتعلم هذه المهارات والمعارف، وعليك أن تعلم عزيزي القارئ أن كل معرفة جديدة ستكتسبها خلال هذه الرحلة تعد إضافة قيّمة لك في مسارك المهني والمعرفي، ونافذة للحصول على فرص لا حصر لها، فهناك الكثير ممن كسروا قيود الجغرافيا وحولوا معارفهم إلى مكاسب مادية ودخلاً إضافياً حقق لهم الاستقرار المالي، وذلك من خلال استثمارهم لمعارفهم التي اكتسبوها في مسيرة التعلم الذاتي، وفي فقرات هذه المقالة سنستعرض ما يبرز أهمية خوض هذا المسار الذي تزداد أهميته يوماً بعد يوم
بماذا يتميز التعلم الذاتي عن التعليم التقليدي؟
أهم ما يميز رحلة التعلم الذاتي هو في كونها رحلة طوعية ومستمرة ومليئة بالشغف وإشباع الفضول وقرار خوضها نابع من مسؤولية عظيمة يحملها المتعلم تجاه نفسه وتجاه من حوله. و من أبرز ما يميز التعلم الذاتي عن التعليم التقليدي الذي اعتدناه هو في كونك أنت صاحب القرار في اختيار ما تريد تعلمه، ولديك الاستقلالية التامة في اختيار الوقت والبيئة المناسبة لك، بالإضافة إلى امتلاكك كامل الحرية في اختيار الوسائل التي تساعدك في تحقيق أقصى فائدة وخلال فترة زمنية تحددها أنت، فليس هناك من يلزمك بالحضور في وقت محدد وليس هناك من يجبرك على وسائل لا ترغب بها ولا تتناسب معك، فأنت وحدك صاحب القرار في اختيار طريقك لتطوير نفسك وتنمية مهاراتك وأنت وحدك المسؤول عن اختيار النهج الذي تريد، وذلك وإن بدا لك مغرياً، إلا أن هناك العديد من التحديات التي ستواجهك في رحلتك وعليك أن تكون مسؤولاً ومنضبطاً في تطبيق النظام التعليمي الذي اخترته لنفسك وأن تأخذ الأمر بكل جدية، وإلا فقد تجد أن النتيجة هي الملل والإحباط في بداية الطريق
كيف تبدأ رحلة التعلم الذاتي؟ وما هو المجال الأنسب للبدء به؟
لا أخفيك عزيزي القارئ أن إيجاد إجابة محددة على هذا السؤال يعد من أصعب الأمور التي تواجه من بدأ مشواره في رحلة التعلم الذاتي، فقد اعتدنا دوماً على وجود من يوجهنا ويرشدنا في مسارات التعليم التي اعتدناها ،ولكن في مسار التعلم الذاتي ستكون أنت ربان السفينة وموجهها، وهذا يمثل واقعاً جديداً عليك أن تدركه وتتكيف معه، فأنت من سيحدد الإجابة المناسبة على هذا السؤال، فالإجابة تختلف باختلاف اهتمامات كل فرد منا وفضوله وأدواته التي يملكها، ولكن دعني أقدم لك ما قد يساعدك في تحديد البداية المناسبة لمسارك
لقد ذكرنا سابقاً أن ما يميز التعلم الذاتي هو سعي المتعلم لأن يشبع الفضول الذي لديه ،فإشباع هذا الفضول هو ما يضمن لك أن تكون عملية التعلم ممتعة ومثيرة ومستمرة، ولتحقيق ذلك، يتحتم عليك اختيار المجال الذي يثير اهتمامك وفضولك أكثر من غيره
وفي حال أنك وجدت صعوبة في تحديد ذلك المجال، فإن من الأنسب أن تقوم باستعراض عدد من المجالات من خلال البحث والقراءة ومشاهدة الفيديوهات المختلفة التي تمتلئ بها منصة اليوتيوب، والتي يشرح فيها خبراء كل مجال ما يتعلق بمجالهم، وذلك حتى يتكون لديك تصور واضح عن عدد من المجالات. هذا التصور سيساعدك في اختيار المجال الأنسب لك للبدء به
إن تعلم بعض المهارات التكنولوجية وإتقانها يعد من الضروريات التي يحتاجها كل متعلم في مسيرته، فلم يعد هناك من مجال الا ودخلت فيه التكنولوجيا الحديثة، مما يحتم على كل متعلم مهما كان مجاله أن تكون لديه المهارات اللازمة للتعامل مع البرامج الحاسوبية، لذا فقد يكون اختيار تعلم أحد الأدوات التكنولوجية في بداية الطريق اختياراً موفقاً. وستلاحظ عزيزي القارئ أن المجالات متداخلة مع بعضها البعض ، فكل مهارة ستتعلمها ستفيدك في مرحلة ما من هذه الرحلة، فتجد مثلاً من اختار مجال تحليل البيانات بحاجة لتعلم أساسيات كتابة المحتوى في مرحلة من مراحل تعلمه وذلك لإعداد نتائج تحليالاته بصورة تمكن أصحاب الشأن من فهمها، وستجد أن كتاب المحتوى والتسويق بحاجة الى بعض المهارات التحليلية لتحديد جمهورهم المستهدف، فكل مهارة جديدة تتعلمها ستجد بلا شك أن لها صلة بمجالك وإن بدا لك غير ذلك في البداية، وقد تختار في البداية مجالاً معيناً ثم تحيد عنه الى مجال آخرأكثر أهمية بالنسبة لك خلال رحلة تعلمك، فلا يعني ذلك أنك لن تستفيد من مسارك السابق وإنما ستجد أنه كان بمثابة الضوء الذي أرشدك الى مسارك الجديد ومعززاً له بشكل كبي، فهناك من بدأ مجال البرمجة بهدف بناء مواقع الويب فقاده فضوله واستكشافه ليكون محلل بيانات متميز أو مختصاً في الأمن السيبراني، وقد كانت أساسيات البرمجة هي نقطة الانطلاق بالنسبة له، فالأهم أن تبدأ الرحلة وأعدك بأنك ستصل الى غايتك المنشودة في نهاية المطاف، وهنا دعني استشهد بمقولة جلال الدين الرومي ” إبدأ وسيظهر لك الطريق”
كما أن مما يعزز رحلتك في التعلم الذاتي الاهتمام باللغة الإنجليزية، فعلى الرغم من أن منصات التعلم الذاتي العربية تشهد تحسناً كبيراً في الآونة الأخيرة وزيادة في المحتوى المقدم باللغة العربية، إلا أن إتقانك للغة الإنجليزية يعد أحد نقاط القوة في هذا المسار، فهناك آلاف الكورسات المقدمة باللغة الإنجليزية تمكنك من الحصول على شهادات من جامعات وشركات عالمية مرموقة وبصورة مجانية، وهذه الشهادات لها دور كبير في تعزيز فرصك في الحصول على الوظائف في المجال الذي اخترت تعلمه، فإن لم تكن متقناً للغة الإنجليزية فمن الأجدر أن تخصص لها جزءًا من وقتك الذي حددته للتعلم
ماهي الوسائل التي يجب توفرها للبدء في مسار التعلم الذاتي؟ وماهو الوقت الأنسب لذلك؟
اذا كنت تمتلك هاتفاً، وقادراً على الوصول إلى الإنترنت فأنت بذلك تمتلك ما تستطيع أن تبدأ به رحلتك، والوقت الأنسب للبدء هو الآن، فالتسويف والمماطلة والانتظار للوقت المناسب والظروف المناسبة قد يفقدك حماسك ويقودك إلى تجاهل فكرة التعلم من أساسها، فيكفي أن تبدأ بما هو متوفر لديك، فالكثير ممن برزوا في عالم التصميم قد بدأوا رحلتهم من خلال تحميل أحد تطبيقات الهاتف الخاصة بالتصميم ومشاهدة بعض الفيديوهات التعليمية على اليوتيوب فإذا بهم اليوم مثالاً يحتذى به في الإبداع، فابدأ بأيسر ما يمكنك أن تبدأ به، ولا تدع التسويف سبباً في إنهاء رحلتك قبل البدء بها
لماذا يعد التعليم الذاتي أقصر الطرق نحو زيادة الدخل والوصول بصاحبه الى الاستقرار المالي؟
عزيزي القارئ، إذا قمت بالبحث في أحد محركات البحث الشهيرة كجوجل أو قمت بسؤال أحد أدوات الذكاء الاصطناعي عن الوظائف الأعلى أجراً والأكثر إانتشاراً في السنوات الأخيرة، ستجد أن النتيجة تعرض لك قائمة من الوظائف التي قد تبدو لك صعبة ومتخصصة ولا يصل إليها الا من قضى سنوات طويلة في دراسة ما يتعلق بها وتطبيقه، ولكن الحقيقة ليست كما تظن، فمعظم من يعملون في هذه الوظائف قد قطعوا الطريق اليها في فترات قياسية وأتقنوها في سنوات قليلة بل أن البعض قد استطاع أن يتعلم أهم المهارات المتعلقة بها في أشهر وليس سنوات، فمن هؤلاء من حوّل هذه المعرفة إلى مواد تعليمية وقام بتسويقها وأصبحت دخلاً إضافياً بالنسبة له، ومنهم من وجد عملاً إضافياً مستقلاً، ومنهم من سعى لتطوير مهاراته في مجال عمله وحصل بذلك على ترقيات وظيفية، ولا ننسى أن المهارات المكتسبة عن طريق التعلم الذاتي هي من أبرز ما يميز الفرد عن غيره، وأبرز ما يزيد من فرصه في الحصول على الوظائف التي ينشدها، وما زال كل من سلك مسيرة التعليم الذاتي يسعى كل يوم في تطوير وتحسين مهاراته، وإضافة مهارات جديدة باستمرار، ومن الجدي بالذكر أن الكثير من هؤلاء لم يدرس تلك المجالات في تخصصه الأكاديمي وإنما قادهم اليها شغفهم فكرسوا جهدهم ووقت فراغهم لتعلمها واستخدموا كل ما تتيحه لهم التكنولوجيا من أدوات ليصلوا الى غايتهم، بالإضافة الى أن معظم هؤلاء قد خاض رحلته الى وظيفته الحالية بأقل تكلفة يمكن لك أن تتخيلها، بل وبصورة مجانية في كثير من الأحيان، فاستحقوا بهذا تميزهم عن غيرهم ممن قضى سنوات طويلة في المسارات التعليمية التقليدية وبقي ثابتاً هناك
ما مسؤولية المعلم تجاه طلابه في عملية التعلم الذاتي؟
عزيزي المعلم، إن دورك في هذه الرحلة يتمثل بدرجة أساسية في أن تكون جزءا منها وأن يكون لك مسارك الخاص لاكتساب مهارات جديدة تحسن من جودة تقديمك لموادك التعليمية وتسهل وصول المعلومة إلى طلابك وتعينك على أداء رسالتك السامية في أبهى صورها، كما أن عليك مسؤولية إشعال شرارة الشغف في طلابك وإبراز أهمية التعلم الذاتي لهم، وتشجيعهم على بدء رحلتهم في اكتساب معارف ومهارات جديدة في أوقات فراغهم، وفي إجازاتهم السنوية، وإرشادهم الى مصادر الدورات المجانية على الانترنت التي تساعدهم في تنمية مهاراتهم وتطوير معارفهم، وأن تكون عوناً لهم في استكشاف مواهبهم الفطرية ورغباتهم المدفونة، فنحن في عصر تمتلئ فيه منصات التعليم الإلكترونية بالدورات المجانية المفيدة والأدوات المساعدة المختلفة
عزيزي القارئ، إن رحلة التعلم الذاتي هي رحلة ممتعة ومشوقة بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، وخوضها سيفتح لك آفاقاً لا حدود لها وفرصاً لم يكن لك أن تفكر بها قبل خوضك مسار هذه الرحلة، فما عليك الا البدء والاستمرار والإنضباط، وبتوفيق الله ستجد نفسك من ذوي المهارات المتميزين وسيكون لذلك بالغ الأثر على تحسين ذاتك وحياتك وحياة من حولك